مذبحة ساكس - يوجين ديلاكروا


رسمها عام 1824م حيث عرضت في صالون باريس في ذلك العام وهي لوحة ضخمة مساحتها 417×354 سم وهي معروضة حاليا في متحف اللوفر بباريس إنها تصور مشهدا من المجازر التي ارتكبها الأتراك عام 1822 في جزيرة ساكس اليونانية الصغيرة عندما أبادوا عددا كبيرا من اليونانيين خلال حرب الاستقلال التي قامت بها اليونان للتخلص من الاحتلال التركي.
وفي العام التالي مباشرة 1823م سجل ديلاكروا في يومياته انه قرر تصوير هذه المذبحة في لوحته القادمة التي سيعدها للعرض بالصالون وتنفيذا لهذا القرار سعى ديلاكروا إلى الالتقاء بالضابط الفرنسي الذي كان يساعد الثوار اليونانيين خلال هذه المعركة وكان يدعى الكولونيل " فواتير" الذي قدم إلى الحكومة الفرنسية تقريرا بالحوادث التي شاهدها .. وبعد أن التقى بالكولونيل واستمع إلى تقريره عمل بحماس بالغ حتى انتهى من لوحته التي قبل الحكام عرضها في الصالون بغير حماس .
ولما افتتح الصالون فوجئوا برؤية هذه اللوحة وقد اختلفت ألوانها اختلافا كبيرا من حيث إشراقها ونصاعة خلفيتها ... وكان السر في ذلك هو إن يوجين ديلاكروا قبل أن يسلم لوحته للمشرفين على المعرض الكبير قد شاهد بالصدفة في واجهة أحد المحلات بيع الصور ثلاث لوحات من رسم الفنان الإنجليزي جون كونستابل فشدت انتباهه وفتنته بما رآه من تراقص الأضواء وانعكاساتها الأخاذة في تلك اللوحات .. ولما عاد إلى مرسمه أحس أن لوحته قاتمة شاحبة لا حياة فيها إلا انه كان قد انفق عاما كاملا في إعدادها ولم يجد أمامه متسع من الوقت لإعادة رسمها . فقدمها للمعرض وهو مشغول البال لا يستقر أو يستريح .. وقبل موعد الافتتاح بأيام جاءته فكرة جنونية دفعته إلى القيام بعمل لا يعقل فقد طلب الأذن بمراجعة لوحته مراجعة نهائية لعمل بعض اللمسات الأخيرة والرتوش فأجيب إلى طلبه رغم أن اللوحة كان قد تم تعليقها . كما كانت لوحات كونستابل التي تبناها ودافع عنها " يتودور جيريكو" معلقة بنفس المعرض . وأمضى ديلاكروا أربعة أيام في عمل متواصل ليلا ونهارا يدرس أسلوب كونستابل الوافد وطريقته في إشاعة الضياء في لوحاته محاولا في نفس الوقت تطبيق هذا الأسلوب على لوحته ولم يرفع فرشاته عنها إلى قبل الافتتاح بساعات . .. وقد انزعج الفنانون الأكاديميون من هذه اللوحة وأسلوبها الرومانتيكي الذي تضاعفت فتنته بما أضافه الفنان من لمسات مضيئة على منوال زميله الإنجليزي واعتبروها خروجا صارخا على القواعد المرعية حتى أن الرسام " جرو" رغم اعتداله لم يتردد في وصفها " بمذبحة الفن " .
لقد كانت لوحاته التاريخية تصور في الغالب الملاحم والمذابح الرهيبة لكن هذه اللوحة أثارت رعب الجمهور وانزعاجه بسبب أحد تفاصيلها الذي يصور منظر طفل يرضع من ثدي أمه الميتة وكانت التقاليد الفنية قبل ديلاكروا تمنع تصوير مناظر العنف أو الدماء .. لقد كان ديلاكروا متمردا على تلك التقاليد المستمدة من الفنون الرومانية القديمة وقد تعمد أن يزور عدة أماكن ولكنه تجنب زيارة إيطاليا التي كان كل المثقفين وخاصة الفنانين يقصدها في ذلك العهد لاستكمال معارفهم وثقافتهم ذلك لأنه كن يخشى أن تؤدي مثل هذه الزيارة إلى نوع من التأثير أو التنازل أمام الفنانين الإيطاليين العظام .
وللفنان رحلة شهيرة قام بها عام 1833م زار خلالها أسبانيا ومراكش حيث عرف الضوء الباهر الذي أكد إحساسه التشكيلي وهناك رسم مجموعة من اجمل اللوحات التي تصور الحياة الشرقية في ذلك العهد .. لقد كان يوجين ديلاكروا يمثل عبقرية فذة ، لقد رسم مئات اللوحات الضخمة وكانت له قدرة عظيمة على العمل السريع حتى يروي عنه انه رسم لوحة كبيرة على حائط منزل الروائي " الكسندر دوماس " عام 1833 أمام ضيوف هذا الكاتب الكبير ولم يستغرق رسمها اكثر من ساعتين . كما انه كان قادرا على التعبير بأساليب فنية مختلفة إلى حد يثير الحيرة فله لوحات غارقة في الضوء وأخرى تشبه لوحات رامبرانت القاتمة ، كما صور الأشخاص والحيوانات والزهور ومناظر المعارك هائلة ثم مشاهد داخلية هادئة وكلها تتألق بالألوان التي تمتزج دائما في جرأة ولهذا يعتبر الكثيرون أن ديلاكروا هو الذي فتح الباب للمدرسة الحديثة في الرسم . . وقد مات يوجين ديلاكروا في 23اغسطس 1863م وعمره 65 عاما ورغم إن شباب الفنانين في ذلك الوقت كانوا يعترفون به وبعبقريته إلا إن نقاد الفن ورجال أكاديمية الفنون الفرنسية الرسميون رفضوا الاعتراف به حتى مماته .